صدى البوح في بئر النَّفس

صدى البوح في بئر النَّفس

الأحد
الرابع من تمــوز لسنة ألفيــن وعشــرة
إهداء ... لروحها .. و .. قلبه الذي لم يفجع بمثلها قط
في لحظةٍ مجنونة قالت له: "أنا أكره نفسي عندما آراك" ثم هدأت كمن يَركنُ في سكينةٍ بعد الخروج من عاصفة .. اتسعت عيناهُ إستغراباً مما سمع وطلب بلباقة تبريراً لذلك .. نظرت إليه باطمئنان وغيّرت الموضوع ..
فعادَ السؤال إلى قعر نفسه دون إجابة
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
عندما رآها مرةً أخرى حياها بحماسٍ بالغ .. بادلته التحية بإمتنان تكلما في أمورٍ عامة .. ثم قطع الحديث فجأة .. ليقول في تردد: قلتِ مرةً "أنا أكره نفسي عندما آراك" وأذكر أنني سألتك لماذا ولم أحظ بأي تفسير ..
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
ابتسمت روحها بسخرية .. في حين حافظت على رصانةِ ملامحها .. أشاحت بوجهِهَا بعيداً عنه .. استدارت بجسدها وبدأت تسير وهي تردد في سرها .. نعم أكره نفسي عندما آراك
أكره الأشجار والعصافير .. أمقتُ الألحان الجميلة .. أكره البشر
الأبنية والشوارع والطبيعة والغيوم والمطر .. أكره الربيع
والزهر المستحم بالندى .. أفعل هذا لأني وفي تلك اللحظة
لا أستطيعُ إلاّ أن أحبكَ أنت!!
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
تابعت المشي .. عبرت الشارع دون أن تأبه بكل المركبات
من حولها .. دون أن تبالي بأي خطر يتجهُ نحوها
وصلت الجهة الأخرى سليمةً بمعجزة ..
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
خلال ساعات الليل .. استلقت على ظهرها في السرير وحركت
بصرها في الغرفة .. وراحت تفكر في أشياء كثيرة ..
أحسَّت قلبها مثل ريشةٍ تتأرجح في نسماتٍ هادئة
وكأنه تخفف من كل أحماله الثقيلة
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
أما هو فقد احتسى فنجان قهوةٍ لذيذ وجلس في مكتبه .. نثر أوراقاً خاصةً بعمله يراجعها ويدققها ويضعُ خططاً في خيالهِ لأيامهِ المقبلة ولم يعلم لماذا ترك كل شيءٍ فجاةً وراح يفكر بها!! .. فأول ما زارته في خياله .. ثم بدأ يراها على الورق وبعدُ في فنجان القهوة! غادر تلك البقعة ليتخلص من كل ذلك استقل سريره طلباً للنوم أطبق جفنيه بشدة
فلاح طيفها منيراً في العتمة!
شعر بقلبه يكتنز بخوفٍ غريب .. تملكه الأرق فبقي مستيقظاً•?•?••?•?• •?•?••?•?•
في بيتها صباح اليوم التالي .. دقت والدتها باب الغرفة ودخلت همست بنبرةٍ مغلفةٍ بالنوم: هيَّا استيقظي لقد بتِّ تتأخرين في الآونة الأخيرة .. انهضي وامسحي عنك الكسل .. لكنها لم تجب
اقتربت منها .. فرأتها كأجمل ما يكون .. حيث تورَّدَ وجهها وفترت جفونها وعلت شفتيها ابتسامةٌ ساحرة ..
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
اقتربت أكثر وجلست إلى جوارها .. مسحت على شعرها وقالت:
لا أعلم اليوم لماذا أشعر كأني آراكِ لأول مرةٍ بهذه الروعة!
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
صغيرتي .. لقد أطلتِ الصمت .. أمسكت يدها كانت باردةً جداً!! تشنج صدرها .. ارتعشت أطرافها .. حركت رأسها بندولياً وكأنها تعلن الرفض لما تسرب لقلبها من فزع .. تمتمت بصوت متقطع .. بـُ نـَ يّـَ تـِ ـي .. لقد أعددتُ لكِ طعام الإفطار .. وبخارُ الشاي الذي تعشقين يملأُ المكان .. هيَّا يا حبيبتي لا تتعبي قلبي أكثر .. نادتها بصوتٍ مرتفع
رددت اسمها في الأرجاء .. هزّتها بقوةٍ وعنف ..
•?•?••?•?• •?•?••?•?•
استمرت تناديها ولم تنتبه أن في الأفق البعيد .. كانت هناك
فتاةٌ جميلة بثوبٍ ناصع البياض .. تـزفُ للسمــــاء ..•?•?••?•?• •?•?••?•?•
ساعةَ الجنازة .. حُملت على أكتاف الرجال في موكبٍ تكتنفهُ الخشية وقف بسيارتهِ قاصياً عن الجموع!! .. حانت لحظةُ الدفن .. نزل رجالٌ من ذويها للقبر ليضجعوها برفق .. انساب من مركبته يترقبُ الموقف فأبصر جثمانها .. ارتعدت فرائصه وانهمرت من عينيه دموعٌ حرَّى وتساءل بمرارة ..
هل يدفنُ الوردُ يوماً؟؟ هل تطوى البراءةُ تحت التراب؟؟ هل يقتل الحبُ فينا برصاص المُغالاة؟؟
•?•?••?•?• •?•?••?•?
ظلَّ واقفاً حتى انتهت كلُ المراسم وغادرَ الجميع لم يبرح مكانه لزمن .. ثم ركب سيارتهُ ومضى مسرعاً .. مسرعاً جداً
في كــــونٍ لم يعد يحتويهــــا
•?•?••?•?• •?•?••?•?•